يعد انهيار سد مأرب حدثاً رئيسياً في تاريخ الحكاية العربية، والتي رواها الإخباريون جيلاً عن جيل بأسلوب يمزج بين الحقيقة والخرافة والنكهة الأسطورية للرواية، ورغم أن الانهيار ليس أقصى أحداث العرب في القدم ورغم وجود أحداث كثيرة سبقته بمئات السنين، إلا أنه يبقى حدثاً تاريخياً ذو قيمة معنوية وغاية شديدة الأهمية.
في هذه السلسلة أحاول سرد أحداث قصة العرب من البداية وحتى وصولنا إلى الزمن الحديث، بعيداً عن الطابع الديني وما يتبعه من قداسة واختلافات إيدولوجية بين المعتقدات والآراء والأفكار، وأستعين بما رواه الإخباريون مع إضافة الرؤية الشخصية والنكهة الخاصة التي يفضّل الكتّاب عادةً إضافتها لسرد القصة من الزاوية التي يرونها مناسبة لهم.
سقوط سد مأرب كنقطة بداية
رأى العرب في سد مأرب معجزة حقيقية وأعجوبة من عجائب الجزيرة العربية، وقيل أنه قد بني يدوياً وتم نحته بشكل متقن للغاية في فترة الألفية الأولى قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام، وهو أشهر سد في تاريخ العرب رغم وجود عدة سدود أخرى حيث كان الهدف منها رصد المياه وحصرها والاحتفاظ بها للسقاية والزراعة وتشكيل المدن والحياة الحضرية حولها.
قرأت سابقاً أن هذا السد صنع من النحاس والحجارة وقد تم سكب الرصاص على أجزاء منه للحفاظ على تماسكه، وهو بلا شك تصميم فريد جعله يستمر مدة طويلة ويجمع الناس حوله، لكنه تعرض لعدة انهيارات قبيل وبعد الرسالة النبوية ولم تتمكن الدول المتعاقبة من إصلاحه أو ترميمه، ربما كان هذا نتيجة للفوضى السياسية ولاضطراب الأحوال في المنطقة.
انهيار سد مأرب
فجأة ونتيجة لفشل هندسي معين، بدأ السد في وقت مبكر ينذر بأنه لن يصمد طويلاً مما دفع الناس إلى الهجرة من اليمن والتوزع على شكل قبائل في سورية والعراق والسعودية والأردن ومناطق مختلفة من الشرق الأوسط، وبالفعل فقد انهار السد في نهاية المطاف وتسبب في هجرة الآلاف من العرب القاطنين في اليمن آنذاك.
ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: لقد كان لسبأٍ في مسكنهم آيةٌ جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدةٌ طيبةٌ وربٌ غفور، فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكلٍ خمطٍ وأثلٍ وشيءٍ من سدرٍ قليل سورة سبأ.
بدأت الناس تبحث عن ملجأ آمن ومنطقة جديدة للعيش بشكل مؤقت أو دائم، فوجدت في اتخاذ شكل القبيلة أسلوباً مناسباً لحماية نفسها والتجمع تحت راية واحدة، فكانت العائلات تتحول إلى قبائل بمجرد زيادة عدد أفراد الأسرة وهكذا وجدنا في النهاية قبائلاً متعددة وبطوناً مختلفة للعرب، وقيل بأن تلك القبائل العربية كانت منتشرة قبل انهيار السد.
يمكن اعتبار هذا الحدث أمراً مفصلياً في حياة العرب، نقلهم من اليمن إلى سائر مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فكانت لتلك الكارثة آثار وفضائل جمّة رغم هول أثرها وحجم الدمار الذي تسببت به لأهلها في ذلك الزمن.