لمحة عن عملة البيتكوين ومستقبل العملات الرقمية

في بداية التاريخ ظهر مفهوم التجارة بأشكال متنوعة ومختلفة، ولسهولة الحركة التجارية ظهرت أنماط متعددة لتبادل السلع والخدمات بين الناس، فكان منها تبادل المنتجات الزراعية والغذائية والصناعية بين البشر بهدف تأمين الغذاء والملابس.

وفي مرحلة لاحقة ظهرت المعادن ذات الندرة الاقتصادية كالذهب والفضة كعملة رسمية بين الناس، وبعد ذلك ظهرت العملات النقدية كشكل معاصر لتسهيل عمليات التبادل التجاري بين الأفراد والمؤسسات.

كل ما سبق معروف لدى الجميع وبسيط للغاية، لكن بعد ظهور العملات النقدية وسيطرة البنوك العالمية عليها رغب بعض الأشخاص بإنشاء عملة لا مركزية وغير خاضعة لسيطرة الحكومات والجهات الرسمية، ومن هنا ظهر مفهوم العملة المشفرة أو العملة الافتراضية.

عملة البيتكوين ومستقبل العملات الرقمية

إن البيتكوين هي واحدة من تلك العملات المشفرة الرقمية والتي لا وجود حقيقي فيزيائي لها وإنما هي تعتمد على البرمجة والشيفرات والرصيد المخزن عبر الإنترنت بواسطة ما يعرف بالمحفظة الرقمية.

في العام ألفين وتسعة، أصدر شخص مجهول يدعى ساتوشي ناكاموتو تصريحاً حول فكرة إنشاء العملة المشفرة بيتكوين ثم أصدر لها برنامجاً لإنتاج العملات واختفى، ولا يعرف في الحقيقة إن كان ناكاموتو هذا شخصاً حقيقياً ولا نعرف إن كان رجلاً ام امرأة.

تم طرح البيتكوين الواحد في بداية 2009 بقيمة 0.0001 دولار وهو مبلغ بسيط جداً، ولكن في منتصف 2011 صار سعر البيتكوين الواحد 35 دولار واليوم بتاريخ 15-02-2021 تجاوز سعر البيتكوين 50 ألف دولار أمريكي مع توقعات بارتفاع السعر مجدداً.

كيف تحصل عملة البتكوين على قيمتها

إن عملة البيتكوين تستمد قوتها الحقيقية من ندرتها تماماً كما هو الحال بالنسبة للذهب والفضة، فالكمية المطروحة من العملة الجديدة محدودة للغاية والطلب عليها في السوق أكبر بكثير من حجم العرض المتاح.

يوجد منها فقط 21 مليون عملة ولم يظهر معظمها حتى اللحظة، ويقال أن عملية إنتاج البيتكوين  أو ما يسمى "تعدين البيتكوين" سوف تنتهي في العام 2140 وحينها ستكون العملة قد اكتملت وظهرت جميع وحداتها للعلن.

من مزايا البيتكوين قدرتها على الحفاظ على السرية والخصوصية أثناء التعاملات المالية، يمكن مثلاً الشراء باستخدامها مع عدم الكشف عن هوية المشتري، لكن هذه الميزة تعد أيضاً نقطة من نقاط الضعف الكبيرة وذلك لعدم قدرة الحكومات على مراقبتها واحتمالية استخدامها لأهداف غير قانونية.

أسباب ارتفاع قيمة عملة البيتكوين

للموضوع أسباب عديدة ولابد من الرجوع لمصادر العلوم الاقتصادية لفهم أسباب ارتفاع سعر البتكوين مقابل الدولار ومختلف العملات الدولية، لكن باختصار يمكننا القول أن سبب الارتفاع يعود إلى عدم وجود كمية كافية منها في السوق.

إن كمية عملة البيتكوين هي 21 مليون عملة فقط ولم يظهر معظمها حتى اللحظة، نفهم من هذا أن الطلب على العملة أكبر بكثير من الكميات المتوفرة منها.

في علم الاقتصاد عندما يزداد الطلب على المنتجات أو الخدمات ولا تكون الكميات المتوفرة منها كافية، فإن هذا يؤدي إلى ارتفاع قيمتها نظراً لندرتها النسبية، ويقصد بالندرة هنا عدم توفر كميات كافية مقابل زيادة في الطلب.

نقول عن الذهب أنه نادر لأن كميات الطلب عليه أكبر بكثير من كميات الذهب الموجودة في العالم، ومن هنا يستمد الذهب قيمته بشكل رئيسي بالإضافة إلى مجموعة عوامل ثانوية أخرى.

من الأسباب المؤدية إلى ارتفاع قيمة بيتكوين مؤخراً: المضاربات في العملة وعمليات شراءها وبيعها مما جعل أصحاب رؤوس الأموال يدخلون في عمليات المضاربة، بالإضافة إلى بدء اعتماد بعض الدول لها رغم عدم اعتمادها كعملة رسمية حتى الآن.

من الأسباب التي تؤدي إلى زيادة قيمتها أيضاً تزايد تعامل قطاعات جديدة بها كخطوط الطيران والبنوك والمؤسسات الكبرى، وإمكانية شراءها من بعض المواقع على الإنترنت بشكل أسهل من ذي قبل.

وقد سمحت بعض الدول بالتعامل في بيتكوين بشكل نظامي، من بين الدول المانيا ولها في ذلك أهداف من بينها الربح من الضرائب على المضاربات في العملة، بالإضافة إلى محاولة لضبط عمليات التحويل وتفادي استخدام العملة بطريقة غير مشروعة.

عيوب عملة البيتكوين

  • التعرض للتذبذب بالأسعار بشكل دائم.
  • عدم وجود جهة رسمية يمكن رفع الشكوى لها.
  • سهولة استخدامها في العمليات المشبوهة.
  • التعرض للقرصنة مستقبلاً.

مستقبل عملة البيتكوين

لا يمكنني طرح وجهة نظر كاملة حول مستقبل عملة البيتكوين خلال السنوات المقبلة، لكن يمكن القول أن أي شيء لا يتوفر منه كميات كافية ويبدو الطلب عليه كبيراً ستزداد قيمته بشكل كبير في المستقبل.

من الصعب جداً التوقع حول مصير هذه العملة واستمرارية تشفيرها وعدم اختراقها، إن هذا رهن للتكنولوجيا المستقبلية ومدى جودة خدمات الحماية الرقمية والتشفير في الزمن القادم، لكن بشكل عام إن هذه العملة مستمرة في الارتفاع مادامت الظروف نفسها.

يرى بعض المحليين أنها قد تكون بديلاً للدولار في المستقبل، لكن هذا الطرح غير منطقي من الناحية العملية نظراً لقلة كميات هذه العملة، في حين أن الدولار يصدر بشكل دائم بكميات جديدة، من الممكن جداً أن يتم استخدام عملة البيتكوين والتعامل معها كالمعادن النادرة تقريباً أو كسلعة تتسم بالديمومة والاستمرارية.

حسام الخوجه
بواسطة : حسام الخوجه
مهندس برمجيات، مدوّن ومستشار تعليمي.