ملحمة جلجامش الأسطورية والبحث عن الخلود

ملحمة جلجامش

ضمن الاكتشافات الأثرية في مكتبة الملك آشور بانيبال تم اكتشاف قصيدة شعرية ملحمية مكتوبة على 12 لوح طيني ضخم، تروي قصة تمزج بين الحقيقة والخيال وبين الخرافة والحكمة وهي تدعى ملحمة جلجامش.

جلجامش هو ملك لمدينة أور التاريخية وقد بالغت القصة في تعظيمه وجعله فوق البشر إلى حدٍ ما، وفي الوقت نفسه جلجامش في القصة هو ملك شديد ولا يرفق برعيته ويعتدي على الرجال ويغتصب النساء قبل الزواج.

نتيجة لقوة جلجامش الشديدة وعدم قدرة الناس على الوقوف في وجهه، لجأ شعبه إلى الآلهة في محاولة للتخلص منه، اجتمعت الآلهة واستجابت لدعوات الناس وقررت خلق كائن جديد لتحدي جلجامش وأطلقت عليه اسم إنكيدو.

إنكيدو عدو لجلجامش ثم صديقاً له

بعد خلق إنكيدو كما تقول الأسطورة بدأ جلجامش يراه في منامه بشكل متكرر مما جعل لديه الفضول للتعرف عليه وتحديه، إنكيدو هو مخلوق خلقته الآلهة بهدف وضع حد لطغيان الملك جلجامش واكتسب شكله البشري من خلال إقامة علاقة مع مومس حولته إلى إنسان.

نص من ملحمة جلجامش

جاء إنكيدو إلى المدينة ودخل في صراع مع جلجامش لكن الأخير هزمه وفشل مخطط الآلهة في القضاء على جلجامش، لكن يبدو أن الآلهة كانت لديها خطة بديلة وهي جعل جلجامش يصبح صديقاً لإنكيدو وبهذا انشغل الرجل عن إزعاج الناس وظلمهم.

في مرة من المرات ظهرت إلهة الحب عشتار للملك جلجامش وطلبت منه أن يتزوجها فرفض جلجامش هذا العرض، مما أغضب الإلهة عشتار وجعلها تصعد إلى السماء لمقابلة والدها الإله الأكبر والذي منحها ثور الجنة الذي يستطيع قتل جلجامش.

تحدي الإلهة عشتار ومعاقبة جلجامش

قاتل جلجامش وإنكيدو الثور السماوي لكن المفاجئة كانت أنهما استطاعا التغلب عليه، ولهذا حكمت الآلهة على أنكيدو بالموت وتم القضاء عليه، فجلس جلجامش أمام جثته يبكي عليه لأيام متتالية، وكان في البداية يرفض فكرة دفن صديقه ولكن بعد أن رأى الدود يأكل جسده وافق على دفنه مرغماً.

أما جلجامش فعاقبته الآلهة برؤية صديقه يموت أمام عينيه، ولهذا بدأت الرغبة في عقل جلجامش للبحث عن الخلود الأبدي، وعلم أن أحد الأشخاص يعيش في مكان آخر وقد حصل على سر الخلود فذهب إليه وحاول طلب سر الخلود منه.

رحلة البحث عن الخلود

يدعى هذا الرجل "أوتنابشتم" وهو رجل أمرته الآلهة أن يبني سفينة يحمل فيها كل أنواع الحيوانات ومكافأة له تم منحه سر الخلود هو وزوجته، وافق الرجل على منح جلجامش سر الخلود مقابل أن يبقى مستيقظاً لمدة 7 أيام متتالية، لكن هذا لم يحدث بل إن جلجامش نام لمدة 7 أيام ولم يستيقظ، وهنا تبرز فكرة التعارض بين الرغبات والأحلام غير المحدودة وبين قدرة الإنسان المحدودة.

شعر جلجامش باليأس وأدرك أن الخلود مستحيل بالنسبة له وقرر الرحيل، وهو يغادر جاءت زوجة الرجل فأشفقت عليه وأعطته دليلاً على سر الخلود وطلبت منه أن يذهب إلى مكان هو حالياً مملكة البحرين، وهو يحتوي زهرة سحرية تسبب الخلود.

ذهب جلجامش مسرعاً إلى البحر وبحث عن زهرة الخلود ووجدها بالفعل، ولكنه جلس يستحم فجاءت أفعى وأكلت زهرة الخلود، وهكذا ضاعت كل محاولات جلجامش في البحث عن الخلود وعاد إلى وطنه بلا نتيجة.

في نهاية القصة عاد جلجامش عن طريق البحر إلى مدينته وتكلم مع مساعده وطلب منه أن ينظر للمباني والإنجازات الموجودة في المدينة، نهاية غامضة لكنها تعني أن الخلود بالنسبة للإنسان لا يكون ببقائه على قيد الحياة للأبد وإنما بترك إنجازات تبقى بعد رحيله.

أسرار الاهتمام بملحمة جلجامش

ظهور فكرة أن الخلود لا يكون ببقاء الجسد إلى الأبد حياً وإنما ببقاء إنجازات الإنسان بعد رحيله وترك بصمته في حياة الآخرين، هكذا يبقى ذكره، إن ملحمة جلجامش انفردت بهذه الفكرة للمرة الأولى في التاريخ. 

نالت القصة اهتماماً وشعبية كبيرة بسبب حديثها عن قصة الطوفان تماماً كما وردت في التوراة، ففي ملحمة جلجامش يعد "أوتنابشتم" شخصية مطابقة لشخصية النبي نوح في الأديان الإبراهيمية، إن قصته ذكرت الطوفان وركوب جميع الحيوانات في سفينة واحدة قبل ظهور التوراة مما جعلها أقدم نص أدبي يذكر القصة الشهيرة.

حسام الخوجه
بواسطة : حسام الخوجه
مهندس برمجيات، مدوّن ومستشار تعليمي.