ملخص كتاب السياسة والحيلة عند العرب

ملخص كتاب السياسة والحيلة عند العرب

تعد التجربة الإسلامية تجربة متقدمة في مجال شؤون الحكم وإدارة البلاد، ويرى بعض النقاد أن ميكافيلي قد استمد بعضها في كتابه الشهير "الأمير" وذلك نظراً لتأثره بالفكر الشرقي حين اختلط بتجار البندقية القادمين من العالم العربي والإسلامي.

ويروى أن الإمبراطور فريدريك الثاني استعان بالعرب أيضاً لتعلم بعض الحيل في تصريف شؤون الدولة، فهل العرب معروفون بالخداع منذ القدم أم أن مفهوم الحيلة لا يقتصر على الكذب؟ في هذا الكتاب نتعرف إلى حكمة الله تعالى في التعامل مع خلقه واستخدام الكيد لتدبير شؤون الكون بالإضافة إلى الحيل التي استخدمها الأنبياء في إيصال الحق، ثم حيل السلاطين والملوك والوزراء والعمال في التعامل مع عامة الناس.

تعامل الله مع الحيلة لأهداف نبيلة

استخدم الله الحيلة مع خلقه لأهداف نبيلة وسامية جداً من بينها تعليم الخلق وتربيتهم وجعلهم يعتادون على حرية الاختيار والتصرف، بينما استخدم إبليس وبقية المخلوقات الحيل لدواعي الشر.

من الأمثلة على ذلك القصة التي تقول أن الله تعالى وعد النبي إبراهيم بأن لا يقبض روحه إلا إن اشتهى الموت بنفسه، وعندما اقتربت ساعة موت إبراهيم أرسل الله ملكاً على هيئة عجوز كبير يكبر إبراهيم بسنوات قليلة ويعاني من الأمراض ويأكل بصعوبة، فطلب إبراهيم من الله أن يقبض روحه قبل أن يبلغ عمر هذا الشيخ، فقبض الله روح إبراهيم على الفور.

ومن الأمثلة أيضاً للحيلة الإلهية أن الله بقدرته نصب بيتاً العنكبوت في غار حراء وذلك حينما حاولت قريش البحث عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق، وعندما جاءت قريش وجدوا بيت العنكبوت مبنياً ولم يقترب منه أحد، بالإضافة للحمامة التي جلست في بوابة الغار وأعطت إشارة إلى عدم وجود أي شخص في الداخل.

ومن الحيل أيضاً إرسال الله تعالى الغراب الذي دفن أخاه عندما قتل قابيل هابيل في القصة المعروفة والتي وردت في القرآن الكريم، وذلك ليتعلم قابيل من الغراب كيفية دفن الموتى.

حيل إبليس

علينا جميعاً أن نعلم أن الإيمان وحسن السلوك إنما هي صفات من هدي الرحمن، وأما الشرور والمعاصي والاعتداءات والأذى فإنما هي من صنع إبليس وحيله لتدمير حياة البشر وتحويلها إلى جحيم في الدار الآخرة.

من حيل إبليس أنه عمل على إغواء آدم وحواء معاً فأخرجهما من الجنة وأدخل البشرية جميعها في الحياة الدنيا والاختبار، وذلك نتيجة لخداعه آدم وحواء في بداية الزمان، ومن حيله أيضاً أنه يغوي البشر البشر ويدفعهم إلى قتل بعضهم وكراهية أنفسهم.

يروى أيضاً أن إبليس جاء بطائر كبير ثم جعله ينام وقتله، وعلم بهذه الطريقة قابيل كيفية القتل والذي تابع على خطاه فقام بقتل أخيه هابيل بسبب الأفكار الشيطانية التي كانت تسيطر عليه.

حيل الأنبياء عليهم السلام

في عصر سيدنا سليمان عليه السلام يروى أن امرأتين أقبلتا عليه وبصحبتهما طفل رضيع، وكل منهما تدعي أنه ولدها، فطلب الملك سليمان آنذاك شق الصبي إلى نصفين بالتساوي ومنح كل واحدة منهما قسماً، فقبلت الأم المزيفة بهذا الحل بينما رفضت الأم الحقيقية ذلك ومن هنا عرف سليمان الأم الحقيقية وأنصفها وأعاد لها طفلها.

أما النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقد كانت له بعض الحيل أيضاً ويذكر منها ممازحته لإحدى العجائز وإخباره إياها بأن العجائز لن يدخلن الجنة، فبكت العجوز فقال لها النبي بأن المقصود هو أن العجائز لا يدخلن الجنة بأشكالهن الحالية وإنما يدخلنها في عمر الأربعين، وهي قصة (لا أعرف مصدرها) بشكل دقيق ويجب التحقق منها في كتب السيرة النبوية الشريفة.

ومن الحيل الثابتة في زمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم حفره الخندق في غزوة الأحزاب والذي جعل جيوش الأحزاب تحجم عن غزو المدينة المنورة تزامناً مع اشتداد الرياح التي اقتلعت خيامهم وأطفأت نيرانهم.

حيل الخلفاء والملوك والسلاطين

يروى أن الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور أقبل عليه رجل سُرقت أمواله فقام بإعطائه قارورة من الطيب وطلب منه أن يذهب إلى بيته، كانت لدى الرجل زوجة سيئة الأخلاق وكان لها عشيق يعيش في بغداد، فكانت تسرق من أموال زوجها وتعطيها لذلك الرجل.

وعندما حضر الرجل إلى منزله ومعه قارورة الطيب قامت المرأة بسرقة بعض محتوياتها ومنحها لذلك الرجل والذي تعطر بالطيب نفسه، وهنا عرف الخليفة أن هذا الرجل هو اللص وتم اكتشاف قصة الزوجة مع شريكها، وقام الرجل بتطليق زوجته على الفور.

ومن حيل الملوك أيضاً حيلة الاسكندر المقدوني الذي استخدم الحرب الاقتصادية قبل احتلال المدن فكان بهذا يُضعف أهلها وبنيتها التحتية من الداخل قبل غزوها، وتوجد حيل أخرى عند العرب لم يذكرها مؤلف الكتاب من بينها حيلة بني وائل في معركة خزاز بالإضافة إلى استخدام "الدحة" وهي الصوت المرتفع الذي يوحي للأعداء بأن أعداد المقاتلين في الجيش كبير جداً.

حيل الوزراء والعمال

في إحدى القصص ورد أن أحد السلاطين غضب على وزيره فأراد إطعامه للكلاب، وذلك نتيجة لشائعات كاذبة ووشايات خصوم الوزير، فطلب الوزير من السلطان مهلة 10 أيام قبل تنفيذ الحكم ووافق السلطان على ذلك.

خرج الوزير من مقر السلطنة وذهب إلى منزل مربي الكلاب المفترسة وأعطاه المال كي يسمح له باللعب مع كلابه وإطعامها لمدة 10 أيام، ووافق مربي الكلاب على هذا، وفي يوم تنفيذ المحاكمة أطلق السلطان الكلاب وأمرهم بأكل الوزير فذهبت الكلاب لتلعب معه كما كانت تلعب خلال الأيام العشرة الأخيرة.

استغرب السلطان مما حصل وسأل الوزير عن السبب فأخبره الوزير بأنه خدم الكلاب لمدة 10 أيام فرفضت أن تؤذيه، بينما خدم السلطان لمدة 30 عاماً ولم يحصد إلا العقاب الشديد، وقد تأثر السلطان بما حدث وأمر بالعفو عن الوزير.

من القصص الحقيقية في التراث الإسلامي أن أحد الولاة كان يدعى عمرو بن هبيرة وكان أمياً لا يقرأ ولا يكتب ويتظاهر بأنه يعرف القراءة والكتابة، فأرسل له الحاكم كتاباً وطلب منه قراءته، وطلب من الرسول تقديم الرسالة مقلوبة وحين بدأ عمرو يتظاهر بالقراءة تأكد الناس من أنه أمي.

الفائدة من الحيلة

مما سبق ندرك أن للحيلة أدوار كثيرة في حياة العرب من بينها ما هو مفيد ونافع للحد من إراقة الدماء، ومن بينها ما كان يُستخدم للشر والغدر والتسبب بالأذى للآخرين، وعلينا جميعاً ان نوازن بين هذا فنحاول امتلاك الدهاء والحيلة ثم نستخدم مهاراتنا في الخير والمصلحة الإنسانية.

حسام الخوجه
بواسطة : حسام الخوجه
مهندس برمجيات، مدوّن ومستشار تعليمي.